{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }
صلاة المسافر
ومن أهل الأعذار المسافر، فيشرع له قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين؛ كمـا دل على ذلك الكتـاب والسنة والإجمـاع، قال الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} والنبي صلى الله عليـه وسلم لم يصل في السفر إلا قصرا،والقصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلمـاء، وفي " الصحيحين ": (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين؛ فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر) وقال ابن عمر: (صلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر).
ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده؛ لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض، وقبل خروجه من بلده لا يكون ضاربا في الأرض ولا مسافرا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل، ولأن لفظ السفر معناه الإسفار؛ أي: الخروج إلى الصحراء، يقال: سفرت المرأة عن وجهها: إذا كشفته، فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن؛ لم يكن مسافرا.
ويقصر المسافر الصلاة، ولو كان يتكرر سفره، كصاحب البريد وسيارة الأجرة ممن يتردد أكثر وقته في الطريق بين البلدان.
ويجوز للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء؛ في وقت أحدهما؛ فكل مسافر يجوز له القصر، فإنه يجوز له الجمع، وهو رخصة عارضة، يفعله عند الحاجة، كما إذا جد به السير؛ لما روى معاذ رضي الله عنه؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك: إذا ارتحل قبل زيغ الشمس؛ أخر الظهر حتى يجمعه إلى العصر ويصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس؛ صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء) رواه أبو داود والترمذي. وإذا نزل المسافر في أثناء سفره للراحة؛ فالأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع. ويباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا الجمع، جمعوا، والأحاديث كلها تدل على أنه يجمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى" اه.وقال أيضا: "يجمع المرضى كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين، ويباح الجمع لمن يعجز عن الطهارة لكل صلاة؛ كمن به سلس بول، أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف دائم؛ قياسا على المستحاضة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة: (وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلين، ثم تصلين الظهر والعصر جمعا، ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة لحصول مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، وفعله أبو بكر وعمر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة؛ إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين، والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد " انتهى.
ومن يباح له الجمع؛ فالأفضل له أن يفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم، والأفضل بعرفة جمع التقديم بين الظهر والعصر، وبمزدلفة الأفضل جمع التأخير بين المغرب والعشاء، لفعله عليه الصلاة والسلام، وجمع التقديم بعرفة لأجل اتصال الوقوف، وجمع التأخير بمزدلفة من أجل مواصلة السير إليها.
وبالجملة، فالجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة سنة، وفي غيرهما مباح يفعل عند الحاجة، وإذا لم تدع إليه حاجة، فالأفضل للمسافر أداء كل صلاة في وقتها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في أيام الحج إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى؛ لأنه نازل، وإنما كان يجمع إذا جد به السير.
هذا ونسأل الله للجميع التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح.
الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان غفر الله له ولوالديه
صلاة المسافر
ومن أهل الأعذار المسافر، فيشرع له قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين؛ كمـا دل على ذلك الكتـاب والسنة والإجمـاع، قال الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} والنبي صلى الله عليـه وسلم لم يصل في السفر إلا قصرا،والقصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلمـاء، وفي " الصحيحين ": (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين؛ فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر) وقال ابن عمر: (صلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر).
ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده؛ لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض، وقبل خروجه من بلده لا يكون ضاربا في الأرض ولا مسافرا، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل، ولأن لفظ السفر معناه الإسفار؛ أي: الخروج إلى الصحراء، يقال: سفرت المرأة عن وجهها: إذا كشفته، فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن؛ لم يكن مسافرا.
ويقصر المسافر الصلاة، ولو كان يتكرر سفره، كصاحب البريد وسيارة الأجرة ممن يتردد أكثر وقته في الطريق بين البلدان.
ويجوز للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء؛ في وقت أحدهما؛ فكل مسافر يجوز له القصر، فإنه يجوز له الجمع، وهو رخصة عارضة، يفعله عند الحاجة، كما إذا جد به السير؛ لما روى معاذ رضي الله عنه؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك: إذا ارتحل قبل زيغ الشمس؛ أخر الظهر حتى يجمعه إلى العصر ويصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس؛ صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء) رواه أبو داود والترمذي. وإذا نزل المسافر في أثناء سفره للراحة؛ فالأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها قصرا بلا جمع. ويباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا الجمع، جمعوا، والأحاديث كلها تدل على أنه يجمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى" اه.وقال أيضا: "يجمع المرضى كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين، ويباح الجمع لمن يعجز عن الطهارة لكل صلاة؛ كمن به سلس بول، أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف دائم؛ قياسا على المستحاضة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة: (وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلين، ثم تصلين الظهر والعصر جمعا، ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين؛ فافعلي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة لحصول مطر يبل الثياب، وتوجد معه مشقة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، وفعله أبو بكر وعمر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة؛ إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين، والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد " انتهى.
ومن يباح له الجمع؛ فالأفضل له أن يفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم، والأفضل بعرفة جمع التقديم بين الظهر والعصر، وبمزدلفة الأفضل جمع التأخير بين المغرب والعشاء، لفعله عليه الصلاة والسلام، وجمع التقديم بعرفة لأجل اتصال الوقوف، وجمع التأخير بمزدلفة من أجل مواصلة السير إليها.
وبالجملة، فالجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة سنة، وفي غيرهما مباح يفعل عند الحاجة، وإذا لم تدع إليه حاجة، فالأفضل للمسافر أداء كل صلاة في وقتها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في أيام الحج إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى؛ لأنه نازل، وإنما كان يجمع إذا جد به السير.
هذا ونسأل الله للجميع التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح.
الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان غفر الله له ولوالديه