{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء }
أحكام صلاة الاستسقاء
الاستسقاء هنا هو طلب السقي من الله تعالى؛ فالنفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها، وهو الله وحده، وكان ذلك معروفا في الأمم الماضية، وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} واستسقى خاتم الأنبياء نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لأمته مرات متعددة وعلى كيفيات متنوعة، وأجمع المسلمون على مشروعيته.
ويشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض - أي: أمحلت - وانحبس المطر وأضر ذلك بهم؛ فلا مناص لهم أن يتضرعوا إلى ربهم ويستسقوه ويستغيثوه بأنواع من التضرع: تارة بالصلاة جماعة أو فرادى، وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة، يدعو الخطيب والمسلمون يؤمنون على دعائه، وتارة بالدعاء عقب الصلوات وفي الخلوات بلا صلاة ولا خطبة؛ فكل ذلك وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحكم صلاة الاستسقاء أنها سنة مؤكدة؛ لقول عبد الله بن زيد: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة) متفق عليه، ولغيره من الأحاديث.
و صفة صلاة الاستسقاء في موضعها وأحكامها كصلاة العيد؛ فيستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد، وأحكامها كأحكام صلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة، وفي كونها تصلى قبل الخطبة، وفي التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة؛ كما سبق بيانه في صلاة العيد.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد) قال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وصححه الحاكم وغيره.
ويقرأ في الركعة الأولى بسورة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بسورة الغاشية.
ويصليها أهل البلد في الصحراء، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء، ولأن ذلك أبلغ في إظهار الافتقار إلى الله تعالى.
وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء؛ فإنه ينبغي أن يتقدم ذلك تذكير الناس بما يلين قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه، ويأمرهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، بردها إلى مستحقيها؛ لأن المعاصي سبب لمنع القطر وانقطاع البركات، والتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين، لأن ذلك سبب للرحمة، ثم يعين لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بها من الصفة المسنونة، ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى بتواضع وتذلل وإظهار للافتقار إلى الله تعالى، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا) قال الترمذي: " حديث حسن صحيح " وينبغي أن لا يتأخر أحد من المسلمين يستطيع الخروج، حتى الصبيان والنساء اللاتي لا تخشى الفتنة بخروجهن، فيصلي بهم الإمام ركعتين كما سبق، ثم يخطب خطبة واحدة، وبعض العلماء يرى أنه يخطب خطبتين، والأمر واسع، ولكن الاقتصار على خطبة واحدة أرجح من حيث الدليل، وكذلك كون الخطبة بعد صلاة الاستسقاء هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم، واستمر عمل المسلمين عليه، وورد أنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة، وقال به بعض العلماء، والأول أرجح، والله أعلم.
وينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، لأن ذلك سبب لنزول الغيث، ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى، ويرفع يديه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه بالاستسقاء، حتى يرى بياض إبطيه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك من أسباب الإجابة، ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن؛ اقتداء به،. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
ويسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحول رداءه؛ فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين، وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة ونحوها، لما في " الصحيحين "؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه...) والحكمة في ذلك - والله أعلم - التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث، ويحول الناس أرديتهم لما روى الإمام أحمد: (وحول الناس معه أرديتهم) ولأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته، ما لم يدل دليل على اختصاصه به، ثم إن سقى الله المسلمين، وإلا؛ أعادوا الاستسقاء ثانيا وثالثا؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك.
وإذا نزل المطر يسن أن يقف في أوله ليصيبه منه ويقول: اللهم صيبا نافعا، ويقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
وإذا زادت المياه وخيف منها الضرر؛ سن أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، متفق عليه، والله أعلم.
الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان غفر الله له ولوالديه
أحكام صلاة الاستسقاء
الاستسقاء هنا هو طلب السقي من الله تعالى؛ فالنفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها، وهو الله وحده، وكان ذلك معروفا في الأمم الماضية، وهو من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} واستسقى خاتم الأنبياء نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لأمته مرات متعددة وعلى كيفيات متنوعة، وأجمع المسلمون على مشروعيته.
ويشرع الاستسقاء إذا أجدبت الأرض - أي: أمحلت - وانحبس المطر وأضر ذلك بهم؛ فلا مناص لهم أن يتضرعوا إلى ربهم ويستسقوه ويستغيثوه بأنواع من التضرع: تارة بالصلاة جماعة أو فرادى، وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة، يدعو الخطيب والمسلمون يؤمنون على دعائه، وتارة بالدعاء عقب الصلوات وفي الخلوات بلا صلاة ولا خطبة؛ فكل ذلك وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحكم صلاة الاستسقاء أنها سنة مؤكدة؛ لقول عبد الله بن زيد: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه، ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة) متفق عليه، ولغيره من الأحاديث.
و صفة صلاة الاستسقاء في موضعها وأحكامها كصلاة العيد؛ فيستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد، وأحكامها كأحكام صلاة العيد في عدد الركعات والجهر بالقراءة، وفي كونها تصلى قبل الخطبة، وفي التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة؛ كما سبق بيانه في صلاة العيد.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد) قال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وصححه الحاكم وغيره.
ويقرأ في الركعة الأولى بسورة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بسورة الغاشية.
ويصليها أهل البلد في الصحراء، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء، ولأن ذلك أبلغ في إظهار الافتقار إلى الله تعالى.
وإذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء؛ فإنه ينبغي أن يتقدم ذلك تذكير الناس بما يلين قلوبهم من ذكر ثواب الله وعقابه، ويأمرهم بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، بردها إلى مستحقيها؛ لأن المعاصي سبب لمنع القطر وانقطاع البركات، والتوبة والاستغفار سبب لإجابة الدعاء، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ويأمرهم بالصدقة على الفقراء والمساكين، لأن ذلك سبب للرحمة، ثم يعين لهم يوما يخرجون فيه ليتهيئوا ويستعدوا لهذه المناسبة الكريمة بما يليق بها من الصفة المسنونة، ثم يخرجون في الموعد إلى المصلى بتواضع وتذلل وإظهار للافتقار إلى الله تعالى، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللا متواضعا متخشعا متضرعا) قال الترمذي: " حديث حسن صحيح " وينبغي أن لا يتأخر أحد من المسلمين يستطيع الخروج، حتى الصبيان والنساء اللاتي لا تخشى الفتنة بخروجهن، فيصلي بهم الإمام ركعتين كما سبق، ثم يخطب خطبة واحدة، وبعض العلماء يرى أنه يخطب خطبتين، والأمر واسع، ولكن الاقتصار على خطبة واحدة أرجح من حيث الدليل، وكذلك كون الخطبة بعد صلاة الاستسقاء هو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم، واستمر عمل المسلمين عليه، وورد أنه صلى الله عليه وسلم خطب قبل الصلاة، وقال به بعض العلماء، والأول أرجح، والله أعلم.
وينبغي أن يكثر في خطبة الاستسقاء من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، لأن ذلك سبب لنزول الغيث، ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى، ويرفع يديه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في دعائه بالاستسقاء، حتى يرى بياض إبطيه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك من أسباب الإجابة، ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن؛ اقتداء به،. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
ويسن أن يستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحول رداءه؛ فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين، وكذلك ما شابه الرداء من اللباس كالعباءة ونحوها، لما في " الصحيحين "؛ (أن النبي صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه...) والحكمة في ذلك - والله أعلم - التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه من الشدة إلى الرخاء ونزول الغيث، ويحول الناس أرديتهم لما روى الإمام أحمد: (وحول الناس معه أرديتهم) ولأن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حق أمته، ما لم يدل دليل على اختصاصه به، ثم إن سقى الله المسلمين، وإلا؛ أعادوا الاستسقاء ثانيا وثالثا؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك.
وإذا نزل المطر يسن أن يقف في أوله ليصيبه منه ويقول: اللهم صيبا نافعا، ويقول: مطرنا بفضل الله ورحمته.
وإذا زادت المياه وخيف منها الضرر؛ سن أن يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، متفق عليه، والله أعلم.
الملخص الفقهي للشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان غفر الله له ولوالديه