روى الترمذي في آخر جامعه، في كتاب الفتن، عن علي - رضي الله عنه - ما نصه:
حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي، حدثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء"، فقيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: "إذا كان المَغْنَمُ دُولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وأطاع الرجلُ زوجته، وعقَّ أمه، وبرَّ صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيمُ القوم أرذلَهم، وأُكرم الرجل مخافة شره، وشُربت الخمور، ولُبس الحرير، واتخذت القَيْنات والمعازف، ولعن آخرُ هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء، أو خسفًا، ومسخًا".
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث علي ابن أبي طالب إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدًا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة، والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه، وقد رواه عنه وكيع وغير واحد من الأئمة. )). اهـ.
وهو بهذا السند ضعيف لعلتين:
إحداهما: ضعف فرج المذكور؛ كما ذكر المؤلف، وقد جزم الحافظ في التقريب بضعفه، ونقل في تهذيب التهذيب ضعفه عن جماعة من الأئمة، ونقل عن البرقاني أنه سأل الدارقطني رحمه الله عن حديثه هذا، فقال: باطل.
والعلة الثانية: انقطاعه، لأن محمد بن عمر بن علي رحمه الله لم يسمع من جده علي - رضي الله عنه - ولم يدرك زمانه؛ كما يعلم ذلك من تهذيب التهذيب والتقريب، والله ولي التوفيق[1].
وقد أخرجه الترمذي رحمه الله من طريق أخرى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حيث قال في جامعه بعد روايته حديث علي المذكور: حدثنا علي بن حُجر حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن المستلم بن سعيد، عن رُميح الجُذامي، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا اتخذ الفيء دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وتُعلِّم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء، وزلزلة، وخسفًا، ومسخًا، وقذفًا، وآيات تتتابع كنظامٍ بالٍ قُطع سِلْكُه فتتابع".
قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي، وهذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
انتهى كلامه رحمه الله، ومراده بقوله: وفي الباب عن علي هو الحديث السابق.
وهذا الحديث -أعني حديث أبي هريرة- ضعيف جدًا، لأن رميحًا الجذامي مجهول -كما في التقريب وتهذيب التهذيب- ويقال لـه: الحزامي بالحاء المهملة والزاي.
ولا يتوجه الحكم على الحديث بالحسن لغيره لكونه جاء من طريقين، لأن ضعف كل واحد منها شديد، فلا يصلح الحكم على متنهما بالحسن؛ لما عرف في المصطلح، ولهذا لم يحسن الترمذي واحدًا منهما للعلة المذكورة،[2]. والله ولي التوفيق.
[1]إلى هنا انتهى الحديث الحادي والثلاثين، وما بعده -أي "وقد أخرجه الترمذي.."- أُفرد برقم منفصل، ولأن الكلام متصل فقد دمجناه بما قبله.
[2] رُوي الحديث عن عدد من الصحابة:
حديث علي:
رواه الترمذي (2210) وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (5) وابن حبان في المجروحين (2/206) والطبراني في الأوسط (1/150 رقم 469) وأبوالحسن علي بن عمر القزويني في مجلس من الأمالي (197/أ-198/ب) وابن بشران (2/153 رقم 1248) والداني في الفتن (320) وابن حزم (9/56) والبيهقي في البعث (كما في الأجوبة المرضية للسخاوي 2/526 وكنز العمال 14/557) والخطيب (3/158) ومحمد بن عبدالله الأصبهاني الملقب خوروست في المنتقى من الخامس من حديثه (كما في المجمع المؤسس لابن حجر 1/343) والأصبهاني في الترغيب (1239 و1244) وابن عساكر في تبيين كذب المفتري (32) وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/366) وفي تلبيس إبليس (233) وفي التبصرة (1/174) والشجري في الأمالي (2/254 و265 و268) من طريق الفرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن علي، عن علي مرفوعا.
ووقع عند الترمذي -وتبعه ابن الجوزي من طريقه- وهمٌ في شيخ يحيى، حيث سماه محمد بن عمر، نبه عليه الذهبي في الميزان. وفي بعض نسخ للترمذي: محمد بن عمرو
وفرج بن فضالة واه، وقال ابن مهدي: أحاديثه عن يحيى بن سعيد منكرة مقلوبة، وذكر أحمد وأبوحاتم والساجي وابن عدي والدارقطني أنه يروي عن يحيى المناكير.
وأعله به الترمذي، وقال: غريب. وكذا ابن حبان، والدارقطني في سؤالات البرقاني (12) -وقال إنه: باطل- وابن حزم، وأحمد بن طاهر المقدسي في كتاب السماع (85).
ويحيى بن سعيد لم يُدرك محمد بن علي، المعروف بابن الحنفية.
وضعفه أيضاً: البيهقي، وابن الجوزي في العلل المتناهية، والشاطبي في الاعتصام (2/76)، والعلائي في جامع التحصيل (267)، وابن رجب في شرح العلل (2/775)، وأبوزرعة العراقي في تحفة التحصيل (284)، والسخاوي في الأجوبة (1/244-245 و2/526)، والألباني في الضعيفة (1171).
حديث أبي هريرة:
رواه الترمذي (2211) -ومن طريقه ابن الجوزي في تلبيس إبليس (234)- من طريق المستلم بن سعيد، عن رُميح الجذامي، عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأقره السخاوي في الأجوبة المرضية (2/527).
ورُميح مجهول، ولم ينص على سماعه من أبي هريرة.
وضعفه الألباني في الضعيفة (1727).
ولكن أورد الحديث ابن طاهر في أطراف الغرائب والأفراد (5/165) من رواية رميح، ونقل قول الدارقطني: تفرد به عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي بهذا الإسناد.
قلت: إن كان التفرد المنقول تابعاً لهذا الحديث فعلا فهي علة شديدة، لأن عمرو وجابر متروكان.
حديث عائشة:
رواه أبوالقاسم يوسف بن محمد الخطيب الهمداني في زياداته على جزء من حديث أبي بكر بن لال (117/ب كما في كتاب الغناء للجديع ص492) من طريق عبد الرحمن بن سعد بن سعيد، عن عمه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة مرفوعا.
قال الجديع عن عبد الرحمن: "لا يُدرى من هو، ولم أجد من ذكر في ذرية سعد بن سعيد من يسمى عبد الرحمن، إنما أبناؤه فيما ذكر محمد بن سعد: سعيد، وقيس، ومحمد، وأمامة (الطبقات ص238 القسم المتمم)، فهو رجل مجهول.
وحديث يوجد للمدنيين بمثل هذا الإسناد عن عائشة (يحيى الأنصاري عن ابن المسيب عنها) أين ذهب عن مثله حفاظ الأقطار، ليفوز بحفظه من لا يُدرى أخُلق أم لم يُخلق"؟!
ونقل ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/367) عن الدارقطني قوله إن هذا الإسناد غير محفوظ.
حديث حذيفة بمعناه:
رواه أبو نعيم في الحلية (3/358-359) -ومن طريقه ابن بلبان في الأحاديث القدسية (364)- من طريق سويد بن سعيد، عن الفرج بن فضالة، عن عبدالله بن عبيد بن عمير الليثي، عن حذيفة مرفوعا بلفظ: "من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة.."، ومنها خصال حديث علي.
وقال أبو نعيم عقبه: غريب من حديث عبدالله بن عبيد بن عمير، لم يروه عنه فيما أعلم إلا فرج بن فضالة.
فهذا اختلاف على الفرج، والمشهور روايته لأصل الحديث بالسند المتقدم عن علي، ولكن الراوي عن الفرج ههنا ضعيف، فروايته منكرة.
وضعفه الألباني في الضعيفة (1171).
• تنبيه: استفدت بعض مصادر التخريج هنا من كتاب الجديع في الغناء، مع التنبيه إلى أن مؤلفه -عفا الله عنه، وردّه إلى الحق ردًّا جميلاً- خالف منهج المحدِّثين في كتابه، وأعمل هواه في ترخيص الغناء المحرم، وضرب عُرض الحائط بإطباق الصحابة فمن بعدهم على تحريمه، وصرّح أنه لا يحتج بالآثار، فيما ناقض نفسه في كتابه الآخر في اللحية، وذكر الآثار في الباب، واحتج بأثر ضعيف عن بعض التابعين -قوّاه بالهوى- أُطلق فيه الأخذ من اللحية، وحمل عليه سائر الأحاديث والآثار في المنع! ولم يبال بأن مطلقه جاء تقييده في رواية أخرى، فوازن بين الصنيعين وتأمل! وقد طرّق مؤخرًا لأهل الفسق والهوى عددًا من المسائل تدور كلها حول الشهوات والافتتان بالغرب الذي يقيم فيه، وردّ عليه جماعة من أهل العلم في شذوذاته، وأسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق، والعودة لنهج السلف الصالح وفهمهم، والله المستعان.