حجر بن عدي
ابن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية [ ص: 463 ] الكندي ، وهو حجر الخير ، وأبوه عدي الأدبر . وكان قد طعن موليا ، فسمي الأدبر ، الكوفي ، أبو عبد الرحمن الشهيد . له صحبة ووفادة .
قال غير واحد : وفد مع أخيه هانئ بن الأدبر ، ولا رواية له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع من علي وعمار .
روى عنه : مولاه أبو ليلى ، وأبو البختري الطائي ، وغيرهما .
وكان شريفا ، أميرا مطاعا ، أمارا بالمعروف ، مقدما على الإنكار ، من شيعة علي - رضي الله عنهما - . شهد صفين أميرا ، وكان ذا صلاح وتعبد .
قيل : كذب زياد بن أبيه متولي العراق وهو يخطب ، وحصبه مرة أخرى ، فكتب فيه إلى معاوية . فعسكر حجر في ثلاثة آلاف بالسلاح ، وخرج عن الكوفة ، ثم بدا له ، وقعد ، فخاف زياد من ثورته ثانيا . فبعث به في جماعة إلى معاوية .
قال ابن سعد : كان حجر جاهليا ، إسلاميا . شهد القادسية . وهو الذي افتتح مرج عذراء ، وكان عطاؤه في ألفين وخمسمائة . ولما قدم زياد واليا ، دعا به ، فقال : تعلم أني أعرفك ، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حب علي ، وإنه قد جاء غير ذلك ، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة ، فأستفرغه كله ، أملك عليك لسانك ، وليسعك منزلك ، وهذا سريري فهو مجلسك ، وحوائجك مقضية لدي ، فاكفني نفسك ، فإني أعرف عجلتك ، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك ، وإياك وهذه السفلة أن [ ص: 464 ] يستزلوك عن رأيك ، فإنك لو هنت علي ، أو استخففت بحقك ، لم أخصك بهذا . فقال : قد فهمت . وانصرف .
فأتته الشيعة ، فقالوا : ما قال لك ؟ فأخبرهم . قالوا : ما نصح . فأقام وفيه بعض الاعتراض ، والشيعة تختلف إليه ، ويقولون : إنك شيخنا وأحق من أنكر ، وإذا أتى المسجد ، مشوا معه ، فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث - وزياد بالبصرة - : ما هذه الجماعة ؟ فقال للرسول : تنكرون ما أنتم فيه ؟ إليك وراءك أوسع لك . فكتب عمرو إلى زياد : إن كانت له حاجة بالكوفة ، فعجل . فبادر ، ونفذ إلى حجر عدي بن حاتم ، وجرير بن عبد الله ، وخالد بن عرفطة ، ليعذروا إليه ، وأن يكف لسانه ، فلم يجبهم ، وجعل يقول : يا غلام ! اعلف البكر .
فقال عدي : أمجنون أنت ؟ أكلمك بما أكلمك ، وأنت تقول هذا ! ؟ وقال لأصحابه : ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى ، ونهضوا ، فأخبروا زيادا فأخبروه ببعض ، وخزنوا بعضا ، وحسنوا أمره ، وسألوا زيادا الرفق به ، فقال : لست إذا لأبي سفيان ، فأرسل إليه الشرط والبخارية ، فقاتلهم بمن معه ، ثم انفضوا عنه ، وأتي به إلى زياد وبأصحابه ، فقال : ويلك مالك ؟ قال : إني على بيعتي لمعاوية . فجمع زياد سبعين ، فقال : اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه ، ثم أوفدهم على معاوية ، وبعث بحجر وأصحابه إليه
فبلغ عائشة الخبر ، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم ، فقال معاوية : لا أحب أن أراهم ، هاتوا كتاب زياد ، فقرئ عليه ، وجاء الشهود . فقال معاوية : اقتلوهم عند عذراء ، فقال حجر : ما هذه القرية ؟ قالوا : عذراء . قال : أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها [ ص: 465 ] في سبيل الله ، ثم أحضروا مصفودين ودفع كل رجل منهم إلى رجل ، فقتله .
فقال حجر : يا قوم ، دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فتوضأ ، وصلى ركعتين ، فطول ، فقيل له : طولت ، أجزعت ؟ فقال : ما صليت صلاة أخف منها ، ولئن جزعت لقد رأيت سيفا مشهورا ، وكفنا منشورا ، وقبرا محفورا . وكانت عشائرهم قد جاءوهم بالأكفان ، وحفروا لهم القبور . ويقال : بل معاوية الذي فعل ذلك . وقال حجر : اللهم إنا نستعديك على أمتنا ، فإن أهل العراق شهدوا علينا ، وإن أهل الشام قتلونا . فقيل له : مد عنقك . فقال : إن ذاك لدم ما كنت لأعين عليه .
وقيل : بعث معاوية هدبة بن فياض ، فقتلهم ، وكان أعور ، فنظر إليه رجل منهم من خثعم ، فقال : إن صدقت الطير ، قتل نصفنا ، ونجا نصفنا ، فلما قتل سبعة ، بعث معاوية برسول بإطلاقهم ، فإذا قد قتل سبعة ، ونجا ستة ، وكانوا ثلاثة عشر .
وقدم ابن هشام برسالة عائشة ، وقد قتلوا ، فقال : يا أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان ؟ قال : غيبة مثلك عني ، يعني أنه ندم .
وقالت هند الأنصارية وكانت شيعية إذ بعث بحجر إلى معاوية :
ترفع أيها القمر المنير ترفع هل ترى حجرا يسير يسير إلى معاوية بن حرب ليقتله كما زعم الخبير
تجبرت الجبابر بعد حجر فطاب لها الخورنق والسدير
[ ص: 466 ] وأصبحت البلاد له محولا كأن لم يحيها يوما مطير
ألا يا حجر حجر بني عدي تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عديا وشيخا في دمشق له زئير
فإن تهلك فكل عميد قوم إلى هلك من الدنيا يصير
قال ابن عون : عن محمد ، قال : لما أتي بحجر ، قال : ادفنوني في ثيابي ، فإني أبعث مخاصما .
وروى ابن عون : عن نافع ، قال : كان ابن عمر في السوق ، فنعي إليه حجر ، فأطلق حبوته ، وقام ، وقد غلب عليه النحيب .
هشام بن حسان : عن محمد ، قال : لما أتي معاوية بحجر ، قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ! قال : أو أمير المؤمنين أنا ؟ اضربوا عنقه ، فصلى ركعتين ، وقال لأهله : لا تطلقوا عني حديدا ، ولا تغسلوا عني دما ، فإني ملاق معاوية على الجادة .
وقيل : إن رسول معاوية عرض عليهم البراءة من رجل والتوبة . فأبى ذلك عشرة ، وتبرأ عشرة ، فلما انتهى القتل إلى حجر ، جعل يرعد .
وقيل : لما حج معاوية ، استأذن على عائشة ، فقالت : أقتلت [ ص: 467 ] حجرا ؟ قال : وجدت في قتله صلاح الناس ، وخفت من فسادهم .
وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين ومشهدهم ظاهر بعذراء يزار .
وخلف حجر ولدين : عبيد الله ، وعبد الرحمن . قتلهما مصعب بن الزبير الأمير ، وكانا يتشيعان .
ابن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية [ ص: 463 ] الكندي ، وهو حجر الخير ، وأبوه عدي الأدبر . وكان قد طعن موليا ، فسمي الأدبر ، الكوفي ، أبو عبد الرحمن الشهيد . له صحبة ووفادة .
قال غير واحد : وفد مع أخيه هانئ بن الأدبر ، ولا رواية له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وسمع من علي وعمار .
روى عنه : مولاه أبو ليلى ، وأبو البختري الطائي ، وغيرهما .
وكان شريفا ، أميرا مطاعا ، أمارا بالمعروف ، مقدما على الإنكار ، من شيعة علي - رضي الله عنهما - . شهد صفين أميرا ، وكان ذا صلاح وتعبد .
قيل : كذب زياد بن أبيه متولي العراق وهو يخطب ، وحصبه مرة أخرى ، فكتب فيه إلى معاوية . فعسكر حجر في ثلاثة آلاف بالسلاح ، وخرج عن الكوفة ، ثم بدا له ، وقعد ، فخاف زياد من ثورته ثانيا . فبعث به في جماعة إلى معاوية .
قال ابن سعد : كان حجر جاهليا ، إسلاميا . شهد القادسية . وهو الذي افتتح مرج عذراء ، وكان عطاؤه في ألفين وخمسمائة . ولما قدم زياد واليا ، دعا به ، فقال : تعلم أني أعرفك ، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حب علي ، وإنه قد جاء غير ذلك ، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة ، فأستفرغه كله ، أملك عليك لسانك ، وليسعك منزلك ، وهذا سريري فهو مجلسك ، وحوائجك مقضية لدي ، فاكفني نفسك ، فإني أعرف عجلتك ، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك ، وإياك وهذه السفلة أن [ ص: 464 ] يستزلوك عن رأيك ، فإنك لو هنت علي ، أو استخففت بحقك ، لم أخصك بهذا . فقال : قد فهمت . وانصرف .
فأتته الشيعة ، فقالوا : ما قال لك ؟ فأخبرهم . قالوا : ما نصح . فأقام وفيه بعض الاعتراض ، والشيعة تختلف إليه ، ويقولون : إنك شيخنا وأحق من أنكر ، وإذا أتى المسجد ، مشوا معه ، فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث - وزياد بالبصرة - : ما هذه الجماعة ؟ فقال للرسول : تنكرون ما أنتم فيه ؟ إليك وراءك أوسع لك . فكتب عمرو إلى زياد : إن كانت له حاجة بالكوفة ، فعجل . فبادر ، ونفذ إلى حجر عدي بن حاتم ، وجرير بن عبد الله ، وخالد بن عرفطة ، ليعذروا إليه ، وأن يكف لسانه ، فلم يجبهم ، وجعل يقول : يا غلام ! اعلف البكر .
فقال عدي : أمجنون أنت ؟ أكلمك بما أكلمك ، وأنت تقول هذا ! ؟ وقال لأصحابه : ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى ، ونهضوا ، فأخبروا زيادا فأخبروه ببعض ، وخزنوا بعضا ، وحسنوا أمره ، وسألوا زيادا الرفق به ، فقال : لست إذا لأبي سفيان ، فأرسل إليه الشرط والبخارية ، فقاتلهم بمن معه ، ثم انفضوا عنه ، وأتي به إلى زياد وبأصحابه ، فقال : ويلك مالك ؟ قال : إني على بيعتي لمعاوية . فجمع زياد سبعين ، فقال : اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه ، ثم أوفدهم على معاوية ، وبعث بحجر وأصحابه إليه
فبلغ عائشة الخبر ، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم ، فقال معاوية : لا أحب أن أراهم ، هاتوا كتاب زياد ، فقرئ عليه ، وجاء الشهود . فقال معاوية : اقتلوهم عند عذراء ، فقال حجر : ما هذه القرية ؟ قالوا : عذراء . قال : أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها [ ص: 465 ] في سبيل الله ، ثم أحضروا مصفودين ودفع كل رجل منهم إلى رجل ، فقتله .
فقال حجر : يا قوم ، دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فتوضأ ، وصلى ركعتين ، فطول ، فقيل له : طولت ، أجزعت ؟ فقال : ما صليت صلاة أخف منها ، ولئن جزعت لقد رأيت سيفا مشهورا ، وكفنا منشورا ، وقبرا محفورا . وكانت عشائرهم قد جاءوهم بالأكفان ، وحفروا لهم القبور . ويقال : بل معاوية الذي فعل ذلك . وقال حجر : اللهم إنا نستعديك على أمتنا ، فإن أهل العراق شهدوا علينا ، وإن أهل الشام قتلونا . فقيل له : مد عنقك . فقال : إن ذاك لدم ما كنت لأعين عليه .
وقيل : بعث معاوية هدبة بن فياض ، فقتلهم ، وكان أعور ، فنظر إليه رجل منهم من خثعم ، فقال : إن صدقت الطير ، قتل نصفنا ، ونجا نصفنا ، فلما قتل سبعة ، بعث معاوية برسول بإطلاقهم ، فإذا قد قتل سبعة ، ونجا ستة ، وكانوا ثلاثة عشر .
وقدم ابن هشام برسالة عائشة ، وقد قتلوا ، فقال : يا أمير المؤمنين أين عزب عنك حلم أبي سفيان ؟ قال : غيبة مثلك عني ، يعني أنه ندم .
وقالت هند الأنصارية وكانت شيعية إذ بعث بحجر إلى معاوية :
ترفع أيها القمر المنير ترفع هل ترى حجرا يسير يسير إلى معاوية بن حرب ليقتله كما زعم الخبير
تجبرت الجبابر بعد حجر فطاب لها الخورنق والسدير
[ ص: 466 ] وأصبحت البلاد له محولا كأن لم يحيها يوما مطير
ألا يا حجر حجر بني عدي تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عديا وشيخا في دمشق له زئير
فإن تهلك فكل عميد قوم إلى هلك من الدنيا يصير
قال ابن عون : عن محمد ، قال : لما أتي بحجر ، قال : ادفنوني في ثيابي ، فإني أبعث مخاصما .
وروى ابن عون : عن نافع ، قال : كان ابن عمر في السوق ، فنعي إليه حجر ، فأطلق حبوته ، وقام ، وقد غلب عليه النحيب .
هشام بن حسان : عن محمد ، قال : لما أتي معاوية بحجر ، قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ! قال : أو أمير المؤمنين أنا ؟ اضربوا عنقه ، فصلى ركعتين ، وقال لأهله : لا تطلقوا عني حديدا ، ولا تغسلوا عني دما ، فإني ملاق معاوية على الجادة .
وقيل : إن رسول معاوية عرض عليهم البراءة من رجل والتوبة . فأبى ذلك عشرة ، وتبرأ عشرة ، فلما انتهى القتل إلى حجر ، جعل يرعد .
وقيل : لما حج معاوية ، استأذن على عائشة ، فقالت : أقتلت [ ص: 467 ] حجرا ؟ قال : وجدت في قتله صلاح الناس ، وخفت من فسادهم .
وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين ومشهدهم ظاهر بعذراء يزار .
وخلف حجر ولدين : عبيد الله ، وعبد الرحمن . قتلهما مصعب بن الزبير الأمير ، وكانا يتشيعان .