المبحث الثاني
أقوال المذاهب في المسألة
أولاً– مذهب الحنفية :
لا يصح الجمع بين الصلاتين عندهم مطلقا ، إن كان في السفر أو في المطر أو المرض ، إلا في عرفات يوم عرفة ، والمزدلفة ليلة عرفة.
أدلة الحنفية :
1- أوقات الصلاة ثبتت بالتواتر ، وأحاديث الجمع خبر آحاد لا يعارضها.
2- الجمع المذكور جمع صوري ، بمعنى أنه يؤخر الأولى إلى آخر وقتها فيصليها في آخره ، ويفتتح الثانية في أول وقتها ، وهو ما يسمى : جمع فعل لا وقت .
3- جاء في الحديث عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : ( ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع ، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع ، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها ) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما .
4- جاء في حديث ليلة التعريس المشهور أن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال ) : ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى ) رواه مسلم في صحيحه.
5- الأثر الذي روي في أن الجمع من غير عذر من الكبائر .
6- استدل المانعون للجمع في المطر من غير الحنفية بأن الترمذي الذي روى حديث ابن عباس، قال في مقدمة كتابه العلل الصغير المطبوع مع السنن بأن جميع ما في كتابه معمول به ، و به أخذ بعض أهل العلم ما عدا حديثين ، وذكر منهما حديث ابن عباس ، أي أن العلماء لم يأخذوا بهذا الحديث .
الرد على أدلتهم :
1- يردّ على الدليل الأول من وجوه :
الأول :لا تعارض بين ما ثبت بالتواتر وهو المواقيت ، وبين ما ثبت بخبر الآحاد وهو أحاديث الجمع ،فإن خبر الآحاد يخصص المتواتر عند الجمهور ، وقد جاز تخصيص الكتاب – في الراجح – بخبر الواحد ، فتخصيص السنة بالسنة أولى .
الثاني : أن خبر الواحد حجة بذاته معمول به في أصول الشريعة وفروعها عند جمهور الأمة ، كما هو مبسوط في مواضعه .
الثالث : أن أوقات الصلاة لأهل الأعذار ثلاثة لقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر) وقوله تعالى : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) ، وهذا مبحث عند الشافعية والمالكية تترتب عليه أحكام كما هو معروف في موضعه .
قال ابن تيمية :
وأما الوقت فالأصل في ذلك أن الوقت في كتاب الله وسنة رسول الله نوعان وقت اختيار ورفاهية ووقت حاجة وضرورة ، أما الأول فالأوقات خمسة وأما الثاني فالأوقات ثلاثة فصلاتا الليل وصلاتا النهار وهما اللتان فيهما الجمع والقصر بخلاف صلاة الفجر فإنه ليس فيها جمع ولا قصر لكل منهما وقت مختص وقت الرفاهية والاختيار والوقت مشترك بينهما عند الحاجة والاضطرار لكن لا تؤخر صلاة نهار إلى ليل ولا صلاة ليل إلى نهار
ولهذا وقع الأمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى صلاة العصر وقال النبي فيها من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله وقال فكأنما وتر أهله وماله وقد دل على هذا الأصل أن الله في كتابه ذكر الوقوت تارة ثلاثة وتارة خمسة
أما الثلاثة ففي قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل وفى قوله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وقوله: ( فسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم )وأما الخمس فقد ذكرها أربعة في قوله : (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون) وقوله فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ) وقوله : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) والسنة هي التي فسرت ذلك وبينته وأحكمته .مجموع الفتاوى [ جزء 22 - صفحة 83 وما بعدها]
وقال : ونقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان وقت اختيار وهو خمس مواقيت ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت ولهذا أمرت الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهما الحائض إذا طهرت قبل الغروب أن تصلى الظهر والعصر وإذا طهرت قبل الفجر أن تصلى المغرب والعشاء واحمد موافق في هذه المسائل لمالك رحمه الله وزائد عليه بما جاءت به الآثار والشافعي رحمه الله هو دون مالك في ذلك وأبو حنيفة أصله في الجمع معروف. مجموع الفتاوى [ جزء 22 - صفحة 75 ]
2- يرد على ما قالوا بأن الجمع كان جمعا صوريا بما يلي :
أولا : ثبت الجمع الحقيقي بالأحاديث الصحيحة في السفر ، بألفاظ مرت معنا سابقا ، كلفظ ( بعد ما مضى هوي من الليل ) ، وهكذا في الجمع في المطر فإنه مماثل له ، ولا نفرق بين متماثلين من فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
ثانيا : ورد الجمع في المطر على الحقيقة ، مصرحا به في رواية البيهقي لحديث ابن عمر.
قال :أما الرواية فيه عن بن عباس فقد قال الشافعي رحمه الله في القديم أخبرنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب أن بن عباس : جمع بينهما في المطر قبل الشفق وأما الرواية فيه عن بن عمر. سنن البيهقي الكبرى [ جزء 3 - صفحة 168 ]
فأخبرنا أبو أحمد المهرجاني أنبأ أبو بكر بن جعفر المزكي ثنا محمد بن إبراهيم ثنا بن بكير ثنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر : كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء جمع بهم في ليلة المطر ورواه العمري عن نافع فقال قبل الشفق.
ثالثا : قياس الجمع في المطر على الجمع في عرفة والمزدلفة وهو حقيقي هناك باتفاق، وهذا القياس مما يمكن الاستئناس به من كلام سال بن عبد الله بن عمر ، فقد ورد في سنن البيهقي أخبرنا أبو أحمد المهرجاني أنبأ أبو بكر بن جعفر ثنا محمد بن إبراهيم ثنا بن بكير ثنا مالك عن بن شهاب أنه قال : سألت سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر فقال نعم لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة . سنن البيهقي الكبرى [ جزء 3 - صفحة 165 ] و مثله في الموطأ ، وفي مصنف عبد الرزاق .
رابعا : إن الجمع الصوري أشد حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ولا معنى للرخصة حينئذ، فكيف يجتمع الناس في آخر وقت الأولى ، وكيف ينضبط للإمام ان أن ينتهي من الاولى عند خروج وقتها ، وإن أطال قليلا عامدا أو ساهيا يدخل وقت الثانية ، وإن كانت صلاته خفيفة وسلم من الأولى قبل وقت الثانية بمدة ، فهل يصلي الثانية قبل الوقت ، فإن انتظر وقت الثانية حينئذ كان أكثر مشقة على المصلين ، وإن قال قائل انضبطت المواقيت اليوم بوجود الساعات والمؤقتات الالكترونية ، فنقول وهل الإسلام وخطاب الشرع موجه لزماننا فقط ، ألا يوجد في الدنيا من الناس الملايين في بلاد الشرق والغرب ممن لا يملكون تقويما للأوقات ، ويعتمدون على أساليب قديمة لتحديد الوقت .
خامسا : لو جاز الجمع صورة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، لجاز أيضا فيما بين العصر والمغرب ، وبين العشاء والفجر ، فلماذا منعه العلماء قاطبة ، إذ لو كان صوريا لما كان لهم من حجة أن يمنعوه ، وحديث إمامة جبريل بالنبي – صلى الله عليه وسلم –، وغيره من الأحاديث يدل على الجواز في آخر وقت العصر والعشاء .
سادسا : لو كان الجمع صوريا لما كان م بفائدة في اعتراض أحد الحاضرين على ابن عباس ، لما قال له الصلاة الصلاة .
سابعا : لو كان الجمع صوريا لما حاك في صدر البعض شيئا حتى يسأل أبا هريرة عن ذلك فيصدقه ، قال ابن تيمية : مجموع الفتاوى [ جزء 24 - صفحة 81 ]
وأيضا فإن شقيق يقول حاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علما حتى يحيك في صدره منه وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبى هريرة أو غيره حتى يسأله عنه إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه وإنما وقعت شبهة لبعضهم في المغرب خاصة وهؤلاء يجوزون تأخيرها إلى آخر وقتها فالحديث حجة عليهم كيفما كانز
ثامنا : استدلال ابن عباس على فعله بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لأن هذا لم يعرفه الحاضرون في ذلك المجلس ، ولو كان صوريا لاحتج بحديث إمامة جبريل في المواقيت، ولو كان صوريا لما كان يحتاج إلى ذكر هذا الحديث أصلا .
إن ابن عباس كان أفقه وأعلم من أن يحتاج إذا كان قد صلى كل صلاة في وقتها الذي تعرف العامة والخاصة جوازه أن يذكر هذا الفعل المطلق دليلا على ذلك وأن يقول أراد بذلك أن لا يحرج أمته وقد علم أن الصلاة في الوقتين قد شرعت بأحاديث المواقيت وابن عباس هو ممن روى أحاديث المواقيت وإمامة جبريل له عند البيت وقد صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله وصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه فإن كان النبي إنما جمع على هذا الوجه فأي غرابة في هذا المعنى ومعلوم انه كان قد صلى في اليوم الثاني كلا الصلاتين في آخر الوقت وقال الوقت ما بين هذين فصلاته للأولى وحدها في آخر الوقت أولى بالجواز
تاسعا : كيف يليق بابن عباس أن يقول فعل ذلك كيلا يحرج أمته والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه مجموع الفتاوى [ جزء 24 - صفحة 80 ]
عاشرا : كيف يحتج ابن عباس على فعله ، وينكر على من اعترض عليه ، مع إمكان ابن عباس أن يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ، ولا يقدمه كما أخر المغرب، فأي فائدة في تقديم العشاء ، إذا كان هناك فائدة في تأخير المغرب .
قال ابن تيمية : وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا وإنما قصد ابن عباس بيان جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة ثم ابن عباس قد ثبت عنه مجموع الفتاوى [ جزء 24 - صفحة 80 ]
حادي عشر : لفظ الجمع الوارد في الحديث - في رواية ابن أبي شيبة- كلفظ الجمع الذي رواه ابن عباس في السفر ، فلفظ الجمع عندهم معروف يطلق على الحقيقي ولا يطلق على الصوري ، ولماذا يخصه الصحابة بلفظ الجمع إذا كان صوريا ،
ثاني عشر : لو كان الجمع صوريا فلماذا منعه المالكية بين الظهر والعصر وأجازوه بين المغرب والعشاء ، فإما أنهم لا يعلمون بحديث إمامة جبريل المشهور وهذا محال ، وإما ان الجمع حقيقي وهذا الصحيح .
ثالث عشر : أفرد الرواة وأصحاب الصحاح والسنن الجمع في باب مستقل ولو كان صوريا لاكتفوا بالإشارة إلى ذلك في باب المواقيت عند ذكر أحاديثه كحديث إمامة جبريل .
رابع عشر : الجمع الصوري متفق عليه في الأمة ولا تعارض بينه وبين الجمع الحقيقي ، فمن أجاز الجمع الحقيقي أجاز الجمع الصوري ، ومن لم يجز الحقيقي أجاز الصوري ، وهذا الاختلاف بين الفريقين دليل على أن المقصود بالجمع في هذه الأحاديث هو الجمع الحقيقي .
3- يرد على ما استدلوا به من حديث ابن مسعود قال : ( ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع ... )
أولا أن من صلى جمعا لم يصل خارج الوقت ولم يخالف الحديث ، فوقت الصلاة في العذر هو وقت الجمع – كما مر – إذ أوقات الصلاة ثلاثة في حال العذر .
ثانيا : الأحاديث الواردة في الجمع عن الصحابة كابن عباس وابن عمر وأنس زيادة علم ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ومن رأى حجة على من لم ير .
ثالثا : هذا الحديث مخالـَف بما ورد من صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عرفة ، إذ قال ابن مسعود (إلا بجمع) أي المزدلفة ولم يذكر عرفة .
ومعلوم أن أبا حنيفة إنما أصل مذهبه هو مذهب ابن مسعود لما كان في الكوفة و الذي نقله عنه الإمام النخعي ، وأهل المدينة كابن عمر أعلم بفعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم - .
4- يرد على حديث ليلة التعريس بما مر في الرد على استدلالهم بحديث ابن مسعود .
5- وأما الأثر الوارد في أن الجمع من غير عذر من الكبائر فالمرفوع منه ضعيف باتفاق أهل الحديث ، لأنه من رواية حسين بن قيس المعروف بحنش ، وهو ضعيف عند أهل النقل .
وأما الموقوف على عمر – رضي الله عنه – فيرد الاستدلال به بما ورد من الرد في التعليق على حديث ابن مسعود .
6- وأما أن الترمذي أعل الحديث بأن العمل على خلافه ، فقوله هذا في المنطوق الحديث ، أي في الجمع بغير عذر ، لا في المفهوم وهو الجمع في المطر .
ثانياً - مذهب المالكية :
يصح الجمع عندهم في المطر بين صلاتي المغرب والعشاء دون الظهر والعصر . وأدلتهم هي عمل أهل المدينة لفعل ابن عمر والخلفاء الثلاثة – رضي الله عنهم – كما مر .
ومعلوم أن عمل أهل المدينة حجة عند المالكية دون غيرهم من الفقهاء ، فلا وجه لتخصيص الجمع بالمغب والعشاء ، وعمل أهل المدينة هذا لا ينفي وجود العذر وصحة الجمع في الوقتين الآخرين .
ثالثاً– مذهب الشافعية :
يجوز عندهم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء في المطر للأدلة السابقة التي أوردناها ، إلا أنهم تشددوا في الشروط كما سيأتي في مبحث قادم .
رابعاً – مذهب الحنابلة :
يجوز عندهم الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في في قول الإمام أحمد ، ولا يجوز بين الظهر العصر ، أي كقول المالكية ، ويجوز في قول آخر أخر في المذهب حتى بين الظهر والعصر ، كالشافعية .
وأدلتهم هي الأدلة السابقة ، وزادوا عليها : أنه لا يصح قياس الظهر والعصر على المغرب والعشاء ، لما فيهما من المشقة لأجل الظلمة والمضرة ، ولا القياس على السفر لأن مشقة السفر لأجل السير وفوات الرفقة وهو غير موجود ها هنا .
والجواب على دليلهم هذا : إن جعلنا الأمر متعلق بالمشقة فهو أمر نسبي يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة ، والأشخاص ، فربما تلحق المشقة في المطر في الظهر ما لا تلحق في المغرب ، أو في المطر ما لا تلحق في السفر . وطالما وجد النص فإنه يقدم على القياس .
أقوال المذاهب في المسألة
أولاً– مذهب الحنفية :
لا يصح الجمع بين الصلاتين عندهم مطلقا ، إن كان في السفر أو في المطر أو المرض ، إلا في عرفات يوم عرفة ، والمزدلفة ليلة عرفة.
أدلة الحنفية :
1- أوقات الصلاة ثبتت بالتواتر ، وأحاديث الجمع خبر آحاد لا يعارضها.
2- الجمع المذكور جمع صوري ، بمعنى أنه يؤخر الأولى إلى آخر وقتها فيصليها في آخره ، ويفتتح الثانية في أول وقتها ، وهو ما يسمى : جمع فعل لا وقت .
3- جاء في الحديث عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : ( ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع ، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع ، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها ) رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما .
4- جاء في حديث ليلة التعريس المشهور أن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال ) : ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى ) رواه مسلم في صحيحه.
5- الأثر الذي روي في أن الجمع من غير عذر من الكبائر .
6- استدل المانعون للجمع في المطر من غير الحنفية بأن الترمذي الذي روى حديث ابن عباس، قال في مقدمة كتابه العلل الصغير المطبوع مع السنن بأن جميع ما في كتابه معمول به ، و به أخذ بعض أهل العلم ما عدا حديثين ، وذكر منهما حديث ابن عباس ، أي أن العلماء لم يأخذوا بهذا الحديث .
الرد على أدلتهم :
1- يردّ على الدليل الأول من وجوه :
الأول :لا تعارض بين ما ثبت بالتواتر وهو المواقيت ، وبين ما ثبت بخبر الآحاد وهو أحاديث الجمع ،فإن خبر الآحاد يخصص المتواتر عند الجمهور ، وقد جاز تخصيص الكتاب – في الراجح – بخبر الواحد ، فتخصيص السنة بالسنة أولى .
الثاني : أن خبر الواحد حجة بذاته معمول به في أصول الشريعة وفروعها عند جمهور الأمة ، كما هو مبسوط في مواضعه .
الثالث : أن أوقات الصلاة لأهل الأعذار ثلاثة لقوله تعالى : ( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر) وقوله تعالى : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) ، وهذا مبحث عند الشافعية والمالكية تترتب عليه أحكام كما هو معروف في موضعه .
قال ابن تيمية :
وأما الوقت فالأصل في ذلك أن الوقت في كتاب الله وسنة رسول الله نوعان وقت اختيار ورفاهية ووقت حاجة وضرورة ، أما الأول فالأوقات خمسة وأما الثاني فالأوقات ثلاثة فصلاتا الليل وصلاتا النهار وهما اللتان فيهما الجمع والقصر بخلاف صلاة الفجر فإنه ليس فيها جمع ولا قصر لكل منهما وقت مختص وقت الرفاهية والاختيار والوقت مشترك بينهما عند الحاجة والاضطرار لكن لا تؤخر صلاة نهار إلى ليل ولا صلاة ليل إلى نهار
ولهذا وقع الأمر بالمحافظة على الصلاة الوسطى صلاة العصر وقال النبي فيها من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله وقال فكأنما وتر أهله وماله وقد دل على هذا الأصل أن الله في كتابه ذكر الوقوت تارة ثلاثة وتارة خمسة
أما الثلاثة ففي قوله: ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل وفى قوله أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) وقوله: ( فسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وأدبار النجوم )وأما الخمس فقد ذكرها أربعة في قوله : (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون) وقوله فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ) وقوله : ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود) والسنة هي التي فسرت ذلك وبينته وأحكمته .مجموع الفتاوى [ جزء 22 - صفحة 83 وما بعدها]
وقال : ونقول بما دل عليه الكتاب والسنة والآثار من أن الوقت وقتان وقت اختيار وهو خمس مواقيت ووقت اضطرار وهو ثلاث مواقيت ولهذا أمرت الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وابن عباس وغيرهما الحائض إذا طهرت قبل الغروب أن تصلى الظهر والعصر وإذا طهرت قبل الفجر أن تصلى المغرب والعشاء واحمد موافق في هذه المسائل لمالك رحمه الله وزائد عليه بما جاءت به الآثار والشافعي رحمه الله هو دون مالك في ذلك وأبو حنيفة أصله في الجمع معروف. مجموع الفتاوى [ جزء 22 - صفحة 75 ]
2- يرد على ما قالوا بأن الجمع كان جمعا صوريا بما يلي :
أولا : ثبت الجمع الحقيقي بالأحاديث الصحيحة في السفر ، بألفاظ مرت معنا سابقا ، كلفظ ( بعد ما مضى هوي من الليل ) ، وهكذا في الجمع في المطر فإنه مماثل له ، ولا نفرق بين متماثلين من فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
ثانيا : ورد الجمع في المطر على الحقيقة ، مصرحا به في رواية البيهقي لحديث ابن عمر.
قال :أما الرواية فيه عن بن عباس فقد قال الشافعي رحمه الله في القديم أخبرنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن خبيب أن بن عباس : جمع بينهما في المطر قبل الشفق وأما الرواية فيه عن بن عمر. سنن البيهقي الكبرى [ جزء 3 - صفحة 168 ]
فأخبرنا أبو أحمد المهرجاني أنبأ أبو بكر بن جعفر المزكي ثنا محمد بن إبراهيم ثنا بن بكير ثنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر : كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء جمع بهم في ليلة المطر ورواه العمري عن نافع فقال قبل الشفق.
ثالثا : قياس الجمع في المطر على الجمع في عرفة والمزدلفة وهو حقيقي هناك باتفاق، وهذا القياس مما يمكن الاستئناس به من كلام سال بن عبد الله بن عمر ، فقد ورد في سنن البيهقي أخبرنا أبو أحمد المهرجاني أنبأ أبو بكر بن جعفر ثنا محمد بن إبراهيم ثنا بن بكير ثنا مالك عن بن شهاب أنه قال : سألت سالم بن عبد الله هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر فقال نعم لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة . سنن البيهقي الكبرى [ جزء 3 - صفحة 165 ] و مثله في الموطأ ، وفي مصنف عبد الرزاق .
رابعا : إن الجمع الصوري أشد حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ولا معنى للرخصة حينئذ، فكيف يجتمع الناس في آخر وقت الأولى ، وكيف ينضبط للإمام ان أن ينتهي من الاولى عند خروج وقتها ، وإن أطال قليلا عامدا أو ساهيا يدخل وقت الثانية ، وإن كانت صلاته خفيفة وسلم من الأولى قبل وقت الثانية بمدة ، فهل يصلي الثانية قبل الوقت ، فإن انتظر وقت الثانية حينئذ كان أكثر مشقة على المصلين ، وإن قال قائل انضبطت المواقيت اليوم بوجود الساعات والمؤقتات الالكترونية ، فنقول وهل الإسلام وخطاب الشرع موجه لزماننا فقط ، ألا يوجد في الدنيا من الناس الملايين في بلاد الشرق والغرب ممن لا يملكون تقويما للأوقات ، ويعتمدون على أساليب قديمة لتحديد الوقت .
خامسا : لو جاز الجمع صورة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، لجاز أيضا فيما بين العصر والمغرب ، وبين العشاء والفجر ، فلماذا منعه العلماء قاطبة ، إذ لو كان صوريا لما كان لهم من حجة أن يمنعوه ، وحديث إمامة جبريل بالنبي – صلى الله عليه وسلم –، وغيره من الأحاديث يدل على الجواز في آخر وقت العصر والعشاء .
سادسا : لو كان الجمع صوريا لما كان م بفائدة في اعتراض أحد الحاضرين على ابن عباس ، لما قال له الصلاة الصلاة .
سابعا : لو كان الجمع صوريا لما حاك في صدر البعض شيئا حتى يسأل أبا هريرة عن ذلك فيصدقه ، قال ابن تيمية : مجموع الفتاوى [ جزء 24 - صفحة 81 ]
وأيضا فإن شقيق يقول حاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علما حتى يحيك في صدره منه وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبى هريرة أو غيره حتى يسأله عنه إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه وإنما وقعت شبهة لبعضهم في المغرب خاصة وهؤلاء يجوزون تأخيرها إلى آخر وقتها فالحديث حجة عليهم كيفما كانز
ثامنا : استدلال ابن عباس على فعله بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – لأن هذا لم يعرفه الحاضرون في ذلك المجلس ، ولو كان صوريا لاحتج بحديث إمامة جبريل في المواقيت، ولو كان صوريا لما كان يحتاج إلى ذكر هذا الحديث أصلا .
إن ابن عباس كان أفقه وأعلم من أن يحتاج إذا كان قد صلى كل صلاة في وقتها الذي تعرف العامة والخاصة جوازه أن يذكر هذا الفعل المطلق دليلا على ذلك وأن يقول أراد بذلك أن لا يحرج أمته وقد علم أن الصلاة في الوقتين قد شرعت بأحاديث المواقيت وابن عباس هو ممن روى أحاديث المواقيت وإمامة جبريل له عند البيت وقد صلى الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثله وصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه فإن كان النبي إنما جمع على هذا الوجه فأي غرابة في هذا المعنى ومعلوم انه كان قد صلى في اليوم الثاني كلا الصلاتين في آخر الوقت وقال الوقت ما بين هذين فصلاته للأولى وحدها في آخر الوقت أولى بالجواز
تاسعا : كيف يليق بابن عباس أن يقول فعل ذلك كيلا يحرج أمته والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه مجموع الفتاوى [ جزء 24 - صفحة 80 ]
عاشرا : كيف يحتج ابن عباس على فعله ، وينكر على من اعترض عليه ، مع إمكان ابن عباس أن يؤخر العشاء إلى ثلث الليل ، ولا يقدمه كما أخر المغرب، فأي فائدة في تقديم العشاء ، إذا كان هناك فائدة في تأخير المغرب .
قال ابن تيمية : وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا وإنما قصد ابن عباس بيان جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة ثم ابن عباس قد ثبت عنه مجموع الفتاوى [ جزء 24 - صفحة 80 ]
حادي عشر : لفظ الجمع الوارد في الحديث - في رواية ابن أبي شيبة- كلفظ الجمع الذي رواه ابن عباس في السفر ، فلفظ الجمع عندهم معروف يطلق على الحقيقي ولا يطلق على الصوري ، ولماذا يخصه الصحابة بلفظ الجمع إذا كان صوريا ،
ثاني عشر : لو كان الجمع صوريا فلماذا منعه المالكية بين الظهر والعصر وأجازوه بين المغرب والعشاء ، فإما أنهم لا يعلمون بحديث إمامة جبريل المشهور وهذا محال ، وإما ان الجمع حقيقي وهذا الصحيح .
ثالث عشر : أفرد الرواة وأصحاب الصحاح والسنن الجمع في باب مستقل ولو كان صوريا لاكتفوا بالإشارة إلى ذلك في باب المواقيت عند ذكر أحاديثه كحديث إمامة جبريل .
رابع عشر : الجمع الصوري متفق عليه في الأمة ولا تعارض بينه وبين الجمع الحقيقي ، فمن أجاز الجمع الحقيقي أجاز الجمع الصوري ، ومن لم يجز الحقيقي أجاز الصوري ، وهذا الاختلاف بين الفريقين دليل على أن المقصود بالجمع في هذه الأحاديث هو الجمع الحقيقي .
3- يرد على ما استدلوا به من حديث ابن مسعود قال : ( ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع ... )
أولا أن من صلى جمعا لم يصل خارج الوقت ولم يخالف الحديث ، فوقت الصلاة في العذر هو وقت الجمع – كما مر – إذ أوقات الصلاة ثلاثة في حال العذر .
ثانيا : الأحاديث الواردة في الجمع عن الصحابة كابن عباس وابن عمر وأنس زيادة علم ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ومن رأى حجة على من لم ير .
ثالثا : هذا الحديث مخالـَف بما ورد من صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – في عرفة ، إذ قال ابن مسعود (إلا بجمع) أي المزدلفة ولم يذكر عرفة .
ومعلوم أن أبا حنيفة إنما أصل مذهبه هو مذهب ابن مسعود لما كان في الكوفة و الذي نقله عنه الإمام النخعي ، وأهل المدينة كابن عمر أعلم بفعل رسول الله –صلى الله عليه وسلم - .
4- يرد على حديث ليلة التعريس بما مر في الرد على استدلالهم بحديث ابن مسعود .
5- وأما الأثر الوارد في أن الجمع من غير عذر من الكبائر فالمرفوع منه ضعيف باتفاق أهل الحديث ، لأنه من رواية حسين بن قيس المعروف بحنش ، وهو ضعيف عند أهل النقل .
وأما الموقوف على عمر – رضي الله عنه – فيرد الاستدلال به بما ورد من الرد في التعليق على حديث ابن مسعود .
6- وأما أن الترمذي أعل الحديث بأن العمل على خلافه ، فقوله هذا في المنطوق الحديث ، أي في الجمع بغير عذر ، لا في المفهوم وهو الجمع في المطر .
ثانياً - مذهب المالكية :
يصح الجمع عندهم في المطر بين صلاتي المغرب والعشاء دون الظهر والعصر . وأدلتهم هي عمل أهل المدينة لفعل ابن عمر والخلفاء الثلاثة – رضي الله عنهم – كما مر .
ومعلوم أن عمل أهل المدينة حجة عند المالكية دون غيرهم من الفقهاء ، فلا وجه لتخصيص الجمع بالمغب والعشاء ، وعمل أهل المدينة هذا لا ينفي وجود العذر وصحة الجمع في الوقتين الآخرين .
ثالثاً– مذهب الشافعية :
يجوز عندهم الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء في المطر للأدلة السابقة التي أوردناها ، إلا أنهم تشددوا في الشروط كما سيأتي في مبحث قادم .
رابعاً – مذهب الحنابلة :
يجوز عندهم الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء في في قول الإمام أحمد ، ولا يجوز بين الظهر العصر ، أي كقول المالكية ، ويجوز في قول آخر أخر في المذهب حتى بين الظهر والعصر ، كالشافعية .
وأدلتهم هي الأدلة السابقة ، وزادوا عليها : أنه لا يصح قياس الظهر والعصر على المغرب والعشاء ، لما فيهما من المشقة لأجل الظلمة والمضرة ، ولا القياس على السفر لأن مشقة السفر لأجل السير وفوات الرفقة وهو غير موجود ها هنا .
والجواب على دليلهم هذا : إن جعلنا الأمر متعلق بالمشقة فهو أمر نسبي يختلف بحسب الأزمنة والأمكنة ، والأشخاص ، فربما تلحق المشقة في المطر في الظهر ما لا تلحق في المغرب ، أو في المطر ما لا تلحق في السفر . وطالما وجد النص فإنه يقدم على القياس .